(1581-1510) غيوم بوستيل
Guillaume Postel
Guillaume Postel
ولد "المستشرق الأول في الغرب" كما يوصف، في 25 آذار (مارس) 1510 في قرية لادوليري في منطقة النورماندي الفرنسية وتوفي والداه بالطاعون عندما كان في الثامنة من عمره.
في سن الثالثة عشرة بدأ يعمل في التدريس في بلدة ساجي في منطقة ايل دو فرانس لجمع تكاليف رحلته إلى باريس. لكن عند وصوله إلى العاصمة، سرق لص أمواله وملابسه، وأصيب بمرض خطير أجبره على البقاء في المستشفى ثمانية عشر شهرا.
بعد شفائه، اضطر للعمل في مزرعة في منطقة بوس الزراعية بالقرب من باريس ليتمكن من دفع تكاليف دراسته. والتحق بمعهد سانت باربي الذي كان يرتاده عدد كبير من البرتغاليين والاسبان ويموله جزئيًا ملك البرتغال جواو الثالث (1502-1557) لتدريب المبشرين المرسلين إلى أمريكا والهند.
هناك تعلم بوستيل اللاتينية واليونانية إلى جانب الاسبانية والبرتغالية واهتم بالجغرافيا وب"الاكتشافات الكبرى". وفي الوقت نفسه بدأ دراسة اللغة العبرية.
في 1535، اختير بوستيل لمرافقة الدبلوماسي الفرنسي جان دو لا فوريه (توفي في 1537) سفير الملك فرنسيس الأول (1494-1547) إلى اسطنبول وكانت هذه رحلته الأولى إلى المشرق. لم تعرف تفاصيل كثيرة عن هذه الرحلة، لكن من المؤكد أنه زار خلالها تونس وإسطنبول وبلاد الشام ومصر.
كانت مهمته بالتحديد الحصول من الصدر الأعظم برغلي إبراهيم باشا على إعادة أموال تاجر فرنسي من مدينة تور توفي في الجزائر العاصمة، لكن إقصاء الصدر الأعظم وإعدامه أديا إلى فشل هذه المهمة. وكان عليه أيضا جلب كتب من الشرق لمكتبة الملك.
خلال هذه الرحلة، أتقن اللغة العربية التي بات يتحدث بها بطلاقة، وبدأ يتكلم التركية أيضا. قال في وقت لاحق إن الرجل الذي علمه اللغة العربية باختيار فقرات تتعلق بالمسيحية في القرآن الكريم، اعترف له أخيراً بأنه مسيحي مستتر مثل آلاف آخرين ينتظرون من الغرب إرسال أناجيل مطبوعة باللغة العربية لهم.
هذه الحادثة عززت حماسة بوستيل التبشيرية لقناعته بوجود أساس مسيحي في الإسلام والديانات الشرقية الأخرى.
في تموز (يوليو) 1537، عاد إلى باريس عن طريق البندقية. هناك التقى دانيال بومبيرغ (1483-1549 أو حوالى 1553) الذي كان ناشرا يملك مطبعة متخصصة في نشر الكتب باللغة العبرية. وقد أطلع بوستيل على مطبعة بومبيرغ وكذلك على مخطوطات نادرة بينها ترجمة للعهد الجديد باللغة السريانية.
في المقابل أطلعه بوستيل على كتب وكنوز أخرى جلبها من الشرق لفرنسيس الأول ومنها كتاب للقبالة باللغة العبرية وجده في القسطنطينية.
والتقى تيسيوس أمبروزيوس (1469-1540) الذي كان يتقن عددا من اللغات الشرقية ولا سيما السريانية والأرمنية، وجمع وثائق مهمة عن 38 أبجدية شرقية مختلفة (معظمها لا وجود لها) وكان يعد لنشر عمل صنع من أجله حفر الحروف بالسريانية والأرمنية.
أثار هذا الجهد اهتمام بوستيل الذي أطلق مشروع نشر نسخ مطبوعة من الانجيل باللغتين العربية والسريانية ولغات شرقية أخرى.
بعد عودته إلى باريس في التاسع من آب (أغسطس) 1537، عين "محاضرا ملكيا" للغات الشرقية باستثناء العبرية لأن الكرسي المخصص لها لم يكن شاغرا. كان بوستيل من مؤيدي التيار الإصلاحي والإنساني ومن معارضي النزعات الرجعية جدًا لجامعة السوربون.
وكان يفكر بمشروع مصالحة عالمية تحت راية ديانة مسيحية يعترف بها الجميع حقيقة أساسية لجميع الأديان، ويؤكد أهمية نشر معرفة اللغة العربية واللغات الشرقية الأخرى في الغرب، ونشر الإنجيل في الشرق من خلال نسخ مترجمة مطبوعة.
لكن بسبب سلسلة من المشاكل السياسية، خسر كرسيه في هيئة "المحاضرين الملكيين" في نهاية 1542 وفقد حظوته لدى فرنسيس الأول، فسافر في 1544 سيرا على الأقدام إلى روما حيث انضم إلى "الجمعية اليسوعية". لكن بسبب أفكاره وسلوكه فصل منها في 1545.
إلا أنه بقي في روما حيث التقى الفلمنكي أندرياس مايس (1514-1573) المتخصص بالعبرية، وقرأ "كتاب أخنوخ" بمساعدة كاهن إثيوبي.
في 1547، كان بوستيل في البندقية حيث عمل على ترجمة لاتينية لكتابي التصوف اليهودي "الزوهار" و"الباهير".
في 1549، وبدعم من صاحب المطبعة دانيال بومبيرغ، قام بوستيل برحلته الثانية إلى الشرق حيث زار القدس ومصر واسطنبول التي انضم فيها إلى حاشية غابريال دو لوتز (1508-1553) سفير الملك هنري الثاني (1519-1559) لدى السلطان سليمان الأول أو سليمان القانوني (1494 على الأرجح-1566).
في نهاية عام 1550، عاد بوستيل من اسطنبول إلى البندقية ومعه كنوز جديدة جلبها من الشرق. وتوفي دانيال بومبيرغ بعد ذلك، لكنه التقى في منزله بموسى ماردين، وهو كاهن سوري أرسله البطريرك اليعقوبي إلى الغرب، ومعه مخطوطات، لطباعة العهد الجديد باللغة السريانية. درس الرجلان النصوص التي بحوزتهما وأثار مشروع موسى ماردين اهتمام بوستيل لسنوات.
في بداية 1552، عاد بوستيل إلى باريس حيث استقبل بحفاوة في البلاط وأوساط العلوم الإنسانية وبدأ التدريس في الكلية اللومباردية التابعة لجامعة باريس. وقد مزج بين الوعظ السياسي والديني والصوفي، وحقق نجاحا كبيرا حتى منع من التعليم، فغادر باريس مرة أخرى في أيار (مايو) 1553 إلى مدينة بازل .
في نهاية 1553، أُبلغ أن موسى ماردين وصل إلى فيينا بدعوة من يوهان ألبريشت ويدمانستتر، مستشار النمسا وهو نفسه مستشرق.
تم إقناع الملك فرديناند من هابسبورغ (1503-1564)، شقيق الإمبراطور تشارلز الخامس (1500-1558)، بتمويل طبعة العهد الجديد السرياني، والتي كان من المقرر إرسال عدة مئات من النسخ منها إلى كنائس الشرق الأدنى. ثم انضم إليهم بوستيل في فيينا حيث شارك في أعمالهم ونفذ بذلك أحد مشاريعه.
عمل أستاذا في جامعة العاصمة النمساوية، لكنه بقي هناك لبضعة أشهر فقط بينما كانت كتاباته تتعرض للهجوم بتهمة الهرطقة، فعاد إلى هناك في أيار (مايو) 1554 للدفاع عن نفسه.
انتهت محاكمته أمام إحدى محاكم التفتيش في البندقية في 1555 بإدانة كتبه لكنه اعتبر غير مؤهل لتهمة الهرطقة لأنه "رجل مجنون" ولم يسجن. لكن بعد فترة وجيزة اعتقل مجددا ونقل إلى روما حيث أمضى أربع سنوات في سجن ريبيتا المخصص للمتهمين بالهرطقة.
في تلك الفترة، كان البابا هو بولس الرابع المعروف بتشدده وعنفه ضد البروتستانت واليهود.
من جهة أخرى، في أيلول (سبتمبر) 1553، أمرت محاكم التفتيش في روما بإحراق التلمود في كامبو دي فيوري في أجواء تصاعد الاتهامات ضد "التجديف" في الكتابات اليهودية وأصبح المسيحيون الناطقون بالعبرية، مثل بوستيل موضع شك.
عند وفاة بولس الرابع في 18 آب (أغسطس) 1559 أشعل حشد مبتهج النار في قصر محاكم التفتيش وحرر جميع السجناء بمن فيهم بوستيل الذي عاش بعد ذلك فترة ثلاث سنوات متنقلا من بازل إلى البندقية، ثم إلى أوغسبورغ فمدينة ليون.
في 1562، عاد إلى باريس وواجه مشاكل خلال الحرب الدينية الأولى التي بدأت في السنة نفسها. هناك واصل وعظه لكنه اعتبر مختلا عقليا واحتجز في 1563 في دير سان مارتن دي شان الكاثوليكي في باريس حيث استأنف عمله العلمي وطلب إعانة من ملك اسبانيا فيليبي الثاني (1527-1598) لتمويل طباعة العهد الجديد باللغة العربية.
وقد أمضى على الأرجح السنوات الإحدى عشرة الأخيرة من حياته في هذا الدير لكن يعتقد أنه توفي في مزرعة يمتلكها في 06 أيلول (سبتمبر) 1581.
من مؤلفاته "اثنتا عشرة لغة بأحرف أبجدية مختلفة" و" في الأصول أو اللغة العبرية" و" القضاة الأثينيون (1540) و" عن جمهورية الأتراك، وحيث ستتاح الفرصة، عن أخلاق وقوانين جميع المحمديين" (1540) و"مفتاح الأشياء المخبأة في دستور عالم الحقيقة الأبدية" و"كتاب الأسباب والمبادئ" (1551) و"البطريركية الإبراهيمية محررة الجزيرة" (1552) و"كتاب الصلح بين القرآن والاناجيل" (1553).
"كوليج سانت بارب" مدرسة ثانوية تأسست في باريس وأغلقت في 1999 كانت أقدم مدرسة ثانوية في باريس.
جواو الثالث (1502-1557) – أو جون الثالث - ملك البرتغال من 1521 حتى وفاته. اعتلى عرش البرتغال في التاسعة عشرة من عمره خلفا لوالده مانويل الأول. أما والدته فكانت ماريا الابنة الثالثة للملك فرديناند الثاني ملك أراغون والملكة إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة. في عهده كان للبرتغال ممتلكات في آسيا وفي العالم الجديد – استعمار البرازيل - وأدت سياسته لتعزيز قواعد للبرتغال في الهند إلى احتكار المملكة لتجارة التوابل. عشية وفاته كانت المملكة البرتغالية تمتد على مساحة نحو أربعة ملايين كيلومتر مربع. وقد تخلى عن الأراضي الإسلامية في شمال إفريقيا لتعزيز لتجارة مع الهند والاستثمارات في البرازيل.
"الاكتشافات الكبرى" هي اكتشافات شركات القوى الأوروبية البحرية الكبرى - البرتغال وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا - في القرنين الخامس عشر والسادس عشر خلال هذه الفترة، مولت الممالك رحلات استكشافية كبيرة في العالم قامت بها شركات ورسمت خرائط للعالم واتصلت بشكل مباشر مع أفريقيا وأمريكا وآسيا وأوقيانوسيا.
جان دو لا فوريه (توفي في إسطنبول في 1537) راهب ودبلوماسي فرنسي كان أول سفير لفرنسا في السلطنة العثمانية. أصبح دو لافوريه سفير الملك فرنسيس الأول لدى الباب العالي في إسطنبول في عهد السلطان سليمان القانون من 1535 إلى 1538. وقد نجح في مفاوضاته في توسيع الامتيازات الممنوحة من المماليك في مصر في 1518 للأوروبيين، لتشمل الإمبراطورية العثمانية بأكملها. كما نجح في تجديد وتمديد المعاهدة التجارية الموقعة بين البلدين في 1526. قبل ذلك وباستثناء مبشرين أرسلهما الملك لويس الثاني عشر حوالي العام 1500، أرسلت الوصية على عرش فرنسا لويز دو سافوا سفيرا. لكن حاكم سنجق البوسنة غازي حسن باشا قتله مع أحد عشر من رجاله ليستولي على ما يملكه الوفد.
فرنسيس الأول (1494-1547) ملك فرنسا من 1515 حتى وفاته. شجع الفنون والأدب إلى حد كبير.
برغلي إبراهيم باشا أو ابراهيم باشا الافرنجي (1493 أو 1494-1536) هو أول صدر أعظم عينه سليمان القانوني بعد اعتلائه عرش السلطنة العثمانية. صعد في السلطة بسرعة ولعب دورا كبيرا في الدولة ثم قتل في ظروف غامضة.
"هيئة المحاضرين الملكيين" أنشئت في 1530 بقرار من الملك فرنسيس الأول بهدف تشجيع دراسة علوم محددة مثل اللغات العربية والعبرية واليونانية والرياضيات. وقد أصبح اسمها في 1870 "كوليج دو فرانس".
الجمعية اليسوعية مجموعة كاثوليكية أعضاؤها هم رجال دين يُطلق عليهم اسم "اليسوعيون" تأسست في 1531 ووافق البابا بولس الثالث على إنشائها في 1540. تم حلها في 1773 ثم أعيد تأسيسها في 1814 على يد البابا بيوس السابع.
"الزوهار" أو "الإشراق" بالعبرية كتاب أساسي في أدب التصوف اليهودي المعروف باسم القبالة. والعمل المكتوب باللغة الآرامية يتألف من مجموعة كتب تتضمن شرحًا للجوانب الباطنية للتوراة (أسفار موسى الخمسة) وتفسيرات ومواد عن التصوف ونشأة الكون الأسطوري وعلم النفس الصوفي. نشر كتاب الزوهار لأول مرة على يد موسى دي ليون (حوالى 1240-1305) الذي قال إنه ينقل تعاليم سمعان بن يوشاي (حوالى العام 100). لكن خبراء يرون أنه عمل عدد من المؤلفين من العصور الوسطى.
"الباهير" أو "التنوير" بالعبرية عمل ينسب إلى حكيم حاخامي من القرن الأول يدعى نهونيا بن هاكانا. وهو من الأعمال المبكرة في التصوف اليهودي (القبالة).
دانيال بومبيرغ (1483 أو حوالى 1483-1549 أو حوالى 1553) ناشر وصاحب مطبعة فلمنكي من عصر النهضة، ولد في أنتويرب، واستقر في البندقية حيث كان نشطًا منذ عام 1516، وتوفي في هذه المدينة 1549. تخصص في طباعة النصوص من الأدب الديني العبري، وكان أول شخص غير يهودي يعنى به.
كتاب اخنوخ أو "نسخة أخنوخ الإثيوبية" مجموعة من الأسفار اليهودية كتبت أصلًا باللغة الأرامية على الأرجح لكن الأصل الأرامي الذي كتب بين سنتي 163 و80 قبل الميلاد فقد وعثر على أجزاء من هذا الكتاب في ترجمة يونانية. وهناك نسخة حبشية ترجمت عن النسخة اليونانية التي بدورها ترجمت عن الأصل الأرامي. لم يعتبر اليهود أو المسيحيون هذه النسخة من الأسفار القانونية. وهناك نسخة سلافية أيضا تختلف عن النسخة السابقة وتسمى "أخنوخ الثاني" أو "كتاب أسرار أخنوخ". وقد كتبت باللغة اليونانية في مدينة الإسكندرية في النصف الأول من القرن الأول الميلادي. لكن النسخة الأصلية فقدت ولم يبق سوى الترجمة السلافية.
موسى ماردين كاهن سوري من الكنيسة اليعقوبية عاش في القرن السادس عشر. ولد في قرية قلقوق بالقرب من ماردين في منطقة طور عابدين وورد ذكره للمرة الأولى في 1549 بصفته مبعوثا لبطريرك أنطاكية اليعقوبي إغناطيوس عبد الله الأول إسطفان (توفي في 1557)، إلى روما للبحث عن وسائل طباعة نسخ سريانية من العهد الجديد. في 1550، سافر إلى البندقية للقاء غيوم بوستيل للترويج لفكرة طباعة نسخة سريانية من العهد الجديد. وقد تمكن موسى ماردين تمكن من طبع ألف نسخة من النسخة السريانية للعهد الجديد في 1555 .
فرديناند دو هابسبورغ أو فرديناند الأول (1503-1564) امبراطور الامبراطوية الرومانية المقدسة من 1556 إلى 1564 وكان آخر ملك جرماني يُتوج في آخن.
الامبراطور شارل الخامس أو شارل كانت (1500-1558) امبراطور الامبراطوية الرومانية المقدسة من 1520 حتى وفاته في 1558.
محاكم التفتيش سلطة قضائية متخصصة أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية في القرن الثاني عشر وتقع تحت القانون الكنسي. ومن أجل مكافحة ما وصفته بالهرطقة، طبقت أحكاما تتراوح بين العقوبات الروحية البسيطة (الصلاة والكفارة) إلى الغرامات عندما لا يتم إثبات البدعة ومصادرة الممتلكات والإعدام للمرتدين. من حيث المبدأ، كان لا يمكن لمحاكم التفتيش محاكمة سوى الكاثوليك. يقدر خبراء عدد الذين أعدموا بموجب أحكام أصدرتها هذه المحاكم الكنسية على مدى خمسة قرون في جميع أنحاء أوروبا بنحو ثلاثة آلاف حكم.
بولس الرابع اسمه الأصلي جان بترو كارافا (1476-1559) هو البابا 223 للكنيسة الكاثوليكية عرف بتشدده. وعند وفاته في 18 أب (أغسطس) 1559 أشعل الجمهور المبتهج النار في قصر محاكم التفتيش وأطلق سراح جميع السجناء.
الحرب الدينية الأولى اندلعت في 1562 وتلتها سبع حروب أخرى استمرت حتى 1598. تواجه خلال هذه الحروب أنصار الكاثوليكية وأنصار البروتستانتية (الهوغونو). كان الكاثوليك مدعومين من السلطة الملكية وجيشها ولكل من المعسكرين قواته الخاصة بينما انقسم النبلاء الفرنسيون بين الديانتين.
"موسوعة المستشرقين"، عبد الرحمن بدوي