قسطنطين الافريقي (القرن الحادي عشر)
Constantinus Africanos
Constantinus Africanos
كغيره من أوائل المستشرقين، يبقى قسطنطين الإفريقي الطبيب والراهب في دير مونتي كاسينو في إيطاليا، موضع جدل بين المؤرخين في كل ما يتعلق بتفاصيل حياته.
بعض المراجع تشير إلى أنه مولود حوالى العام 1020، وأخرى تفيد بأن تاريخ ولادته مجهول.
يقول بعض المؤرخين إنه ولد في قرطاج أو القيروان في تونس وإنه كان مسلما أمازيغيا. سافر إلى بابل - بغداد أو البصرة على الأرجح في كتابات القرون الوسطى - حيث درس القواعد والجدل والبلاغة والهندسة والحساب والرياضيات وعلم الفلك واستحضار الأرواح وموسيقى وفيزياء الكلدان والعرب والفرس و"الساراكينوس" (المسلمون بلغة القرون الوسطى في أوروبا).
ومن هناك وليتابع تعليمه، سافر إلى خراسان والشام ومصر والقيروان واثيوبيا والهند.
بعد غياب طويل عاد إلى تونس لكنه واجه خطرا ما فاستقل سفينة وفر إلى مدينة سالرنو (عاصمة النورمانديين في جنوب إيطاليا) التي كانت معروفة بمدرستها الطبية الشهيرة "سكولا ميديكا سالرنيتانا". وهذه المدرسة جمعت عددا كبيرا من الكتب العربية واليونانية العلمية.
في طريقه إلى سالرنو أدت عاصفة هبت بينما كان في قارب في شمال خليج بوليكاسترو، إلى إتلاف بعض المخطوطات بينها الأجزاء الثلاثة الأولى من كتاب علي بن عباس المجوسي (توفي حوالى 982 أو 994)، أحد أشهر أطباء الدولة العباسية.
في سالرنو عاش لبعض الوقت في فقر إلى أن اكتشف أحد أبناء بلده وجوده وأبلغ حاكم المنطقة الكونت روبرت الذي ضمه إلى بلاطه. وبذلك دشن قسطنطين الإفريقي مرحلة ثانية من تاريخ المدرسة الطبية الشهيرة وأول موجة من ترجمات الكتب الطبية العربية إلى اللاتينية. وقد استخدمت في تعليم الطب من القرون الوسطى إلى القرن السابع عشر.
في تلك الفترة اعتنق الديانة المسيحية الكاثوليكية على ما يبدو.
لكن عمله لم يرضه فغادر سالرنو وتوجه إلى دير مونتي كاسينو للآباء البندكتيين. ورحب به رئيس الدير الأب ديسيديريوس الذي كان من مشجعي الثقافة والعلوم والفنون في ذلك الوقت وأصبح في 1086 البابا ال158 باسم فكتور الثالث (1027-1087).
وصل قسطنطين إلى كاسينو حاملاً معه مخطوطات الطب التي نقلها من تونس وقام بترجمة عدد كبير منها.
من هذه المخطوطات "الماليخوليا" (أو الكآبة) لإسحق بن عمران (توفي في 932) و"النبض والبول والغذاء" لاسحق بن سليمان (850-932) و"زاد المسافر" لأحمد بن الجزار (حوالى 898-979) و"الحاوي" لأبي بكر الرازي (864-923) و"أسئلة حول الطب" لحنين بن اسحق (810-873) وأجزاء من "كامل الصناعة الطبية" لعلي بن العباس المجوسي (توفي في 982 أو 994).
وفي دير مونتي كاسينو أصبح راهبًا واعتزل نحو عشرين عاما ترجم خلالها عددا كبيرا جدا من النصوص من لغات مختلفة من بينها كتب عربية.
وقسطنطين الإفريقي متهم بالسرقة الأدبية وبإدخال مساهمات له في الكتب التي ترجمها. ويبدو أنه نشر كتابا بعنوان "كتاب قسطنطين الإفريقي في طب العيون" لكن مؤلفه هو حنين بن اسحق.
تورد المراجع ثلاث سنوات لوفاته: 1098 و1099 و1087 .
وحتى الآن يمكن العثور على ترجماته في المكتبات الأوروبية الكبرى في إيطاليا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإنكلترا وغيرها.
تشير بعض المراجع إلى أن الخطر الذي واجهه نجم عن خوف السكان منه بسبب معرفته الواسعة ورغبتهم في قتله. ويبدو أنه وقع أسيرا، كما قول فيليب عقيقي في كتابه "المستشرقون" بدون أي تفاصيل.
مدرسة سالرنو الطبية (Schola Medica Salernitana) تأسست في مدينة سالرنو بجنوب إيطاليا في القرن التاسع وازدهرت في القرن العاشر لتصبح أهم مصدر للمعرفة الطبية في أوروبا الغربية في ذلك الوقت. وضمت مكتبتها عددا هائلا من الرسائل الطبية العربية مترجمة عن اليونانية أو مكتوبة في الأصل باللغة العربية وترجمت إلى اللغة اللاتينية.
الكونت روبرت غيسكار (حوالى 1015-1085) فاتح نورماندي لقب ب"مرعب العالم". حاصر في 13 كانون الأول (ديسمبر) 1076 سالرنو واحتلها وأصبحت المدينة عاصمة النورمان في جنوب إيطاليا. في عهده بني القصر الملكي والكاتدرائية وازدهر العلم فيها ووصلت مدرسة الطب فيها "سكولا ميديكا سالرنيتانا" (Schola Medica Salernitana) التي تعتبر أقدم مؤسسة طبية في الغرب الأوروبي إلى أعلى المستويات.
دير مونتي كاسينو: يقع على بعد 130 كيلومترا جنوب شرق روما. كان أول منزل للرهبان البينديكتين أنشأه القديس بنديكتوس نورسيا نفسه حوالى العام 529. ازدهر في القرنين الحادي عشر والثاني عشر وأقام علاقات جيدة مع الكنيسة الشرقية وشجع الفنون الجميلة والحرفية واستقدم حرفيين بيزنطيين ومسلمين.
اسحق بن عمران (توفي في 932) طبيب وعالم يعتقد أنه ولد في بغداد ورحل إلى دولة الأغالبة في المغرب حيث عمل في تطوير الطب والفلسفة. اشتهر بمهارته في تركيب الأدوية وتشخيص الأمراض.
اسحق بن سليمان (حوالى 850-932) طبيب وفيلسوف تونسي يكنى بأبي يعقوب وأشتهر بالإسرائيلي عاش في القيروان. كان تلميذ إسحق بن عمران.
احمد بن الجزار هو الطبيب أبو جعفر أحمد بن إبراهيم أبي خالد القيرواني المعروف بابن الجزار القيرواني كان أول طبيب مسلم يكتب في مختلف المجالات الطبية المختلفة مثل طب الأطفال والمسنين. ولد في القيروان حوالى 898 لأسرة اشتهر أفرادها بالطب وتوفي فيها في 979 وفي بعض الروايات توفي في 1010.
"الحاوي" لابو بكر الرازي يعد من أهم كتب هذا العالم ووصف بأنه موسوعة عظيمة في الطب تضم ملخصات كثيرة لأعمال مؤلفين إغريق وهنود وملاحظات دقيقة له وتجاربه الخاصة. ترجم الحاوي من العربية إلى اللاتينية وطبع لأول مرة في بريشيا (شمال إيطاليا) في 1486. وأعيد طبعه في البندقية في القرن السادس عشر الميلادي. بقي هذا الكتاب المرجع الطبي الرئيسي في أوروبا لمدة 400 عام.
أبو بكر الرازي (864-923) طبيبٌ وفيلسوف وعالم رياضيات وكيمياء من اصل فارسي من علماء العصر الذهبي للعلوم. وصفته المستشرقة سيغريد هونكة في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب" بأنه "أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق".
حنين بن اسحق (810-873) هو أبو زيد حنين بن اسحق العبادي عالم وعالم لغات وطبيب عربي أصله من الحيرة. كان مؤرخا وأحد أهم المترجمين في عصره أتقن بالإضافة للعربية السريانية والفارسية واليونانية. درس الطب في بغداد وأصبح طبيب الخليفة المتوكل. أصبح المرجع الأكبر للمترجمين ورئيساً لطب العيون، حتى أصبحت "مقالاته العشرة في العين" أقدم مؤلَّف في في طب العيون.
علي بن العباس المجوسي (توفي حوالى 982 أو 994) من أشهر أطباء الدولة العباسية. اشتهر بكتابه "كامل الصناعة الطبية الضرورية" المعروف "الكتاب الملكي" ويتألف من عشرين مقالة عن الطب الإسلامي وعلم الاجتماع.
"Constantine the African: the revival of neurology in medieval Europe", Á. L. Guerrero-Peral and V. de Frutos González
"Constantine the African: The man who shipped Medicine to Europe", Mostafa El-Baba
"المستشرقون"، نجيب العقيقي