جيربير دورياك (توفي في 1003)
Gerbert d'Aurillac
Gerbert d'Aurillac
يعتبر المؤرخون الفيلسوف الفرنسي جيربير دورياك أو "العالم جيربير" كما كان يلقب وبابا الألفية (من 999 إلى 1003)، المستشرق الأول.
سنة ولادة جيربير دورياك الذي أصبح أول بابا فرنسي باسم سيلفستر الثاني، غير معروفة بدقة ووردت حسب المصادر في 938 أو بين 945 و950.
ولد في أورياك في منطقة أوفيرن في فرنسا ولم يعرف الكثير عن طفولته لكن ما هو مؤكد أنه ابن راعٍ فقير وقُبل في سن الثانية عشرة في دير سان جيرو دورياك للرهبانية البندكتية الذي كان أحد أهم مراكز العلم واللاهوت حينذاك. وقد درس "العلوم الليبرالية" والأدب اللاتيني والعلوم القديمة.
في 963، انتقل برعاية حاكم برشلونة الكونت بوريل الثاني (توفي في 993) إلى هذه المقاطعة في كاتالونيا حيث درس الفلسفة اليونانية وعددا من اللغات.
ففي تلك السنة وخلال رحلة إلى روديز توقف الكونت بوريل الثاني، في الدير. وقد أقنعه رئيس الدير بأن يقتاد معه جيربير ليتابع علمه في برشلونة حيث درس الفلسفة اليونانية ولغات عدة ولاحظ أن التجار العرب يستخدمون أرقاما مختلفة عن الأرقام الرومانية والكسور والأعشار.
وتورد بعض المراجع أنه أكمل دراسته في إسبانيا الإسلامية حيث تعلم الهندسة والميكانيكا وعلم الفلك وغيرها من العلوم المعروفة في ذلك الوقت بين العرب.
ويؤكد أندرو ميلر في كتابه "مختصر تاريخ الكنيسة" أن البابا سيلفستر الثاني "درس في المدارس الإسلامية (...) حيث تعلم المعرفة المفيدة التي بدأ في إظهارها في روما وتعليم الناس" وكان "الرابط بين حكمة العرب وجهل الرومان واستسلامهم الأعمى".
كما كان يتسلل ليلا إلى الأندلس وإلى قرطبة بالتحديد، ليتعلم من العرب علم التنجيم والسحر والعديد من الفنون الأخرى حسب الباحثة والمؤرخة الألمانية زيغريد هونكه (1913-1999) في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب". جيربير دورياك تحدث بنفسه عن مغامراته في بلاد الإسلام بين عامي 967 و970 لا سيما في الأندلس. حتى أن بعض المراجع ذكرت أنه تعلم في جامعة القرويين في فاس وتتلمذ على يد علماء في قرطبة واشبيلية وأنه كان يتقن اللغة العربية.
لكن هذه المعلومات موضع جدل بين المؤرخين لا سيما بشأن معرفته للغة العربية ودراسته في جامعة القرويين. الذين يؤكدون ذلك يستندون إلى واقع ازدهار المدن والعلوم الإسلامية حينذاك. أما الذين ينفون ذلك فيشيرون إلى عدم وجود ما يثبت زياراته إلى الأندلس أو غيرها.
لاحظ "العالم جيربير" أن التجار العرب يستخدمون أرقاما مختلفة عن الأرقام الرومانية والكسور والأعشار. ويعتقد أن الفضل يعود إليه في إدخال نظام الأرقام العشرية العربية (بدون الصفر) – لذلك لقب ب"بابا الأرقام" - وكذلك علوم الرياضيات والفلك إلى الغرب. لكن يشكك المؤرخون في دوره هذا أيضا.
ترجم بعض كتب الرياضيات وله دراسة عن كتاب اقليدس بنسخته العربية (محفوظات كنيسة ويسنر في إنكلترا). كما ترجم بعض كتب الفلك ك"الزيج المنصوري" (سنة 1000).
وعندما أصبح بابا في 999، أمر بإنشاء مدرستين عربيتين الأولى في روما مقر إقامته، والثانية في ريمس تبعتهما مدرسة شارتر في فرنسا أيضا، وأصدر أوامر بترجمة الكتب والمخطوطات العربية خصوصاً تلك المتعلقة بالحساب والفلك والكيمياء والطب.
ويعتقد أن البابا سيلفستر هو من ابتدع فكرة الحروب الصليبية. وقد عثر بين أوراقه على وثيقة بعنوان "من هي القدس" تعود إلى زمنه وتتضمن أقدم اقتراح بشن حملة صليبية.
فقبل 96 عاما من الحملات الصليبية (1095-1291)، اعتبر البابا سيلفستر الثاني القدس "محتلة" من قبل المسلمين ودعا العالم الغربي إلى "إنقاذها" من أيديهم كما ورد في كتاب "الرؤى والأحلام المقدّسة عصر الحروب الصليبية" للإمام محمد حمودي.
مع ذلك، يعد سيلفستر الثاني، البابا التاسع والثلاثون بعد المئة، من أوائل الباحثين الذين ساهموا في إحياء الحضارة العلمية والإنسانية في أوروبا، وأول حبر أعظم يتكلم اللغة العربية وأول من شكل جسرا بين الحضارات العربية الإسلامية والأوروبية. وهو البابا الوحيد الذي تعلم العربية وأتقن العلوم عند العرب وعلى أيدي العرب في اسبانيا.
توفي في 12 أيار (مايو) 1003 في روما.
وقد نشر مؤرخ الرياضيات الأوكراني نيكولاس بوبنوف (1858-1938) مصنفاته الرياضية في برلين في 1899.
عاش سيلفستر الثاني 53 سنة شغوفاً بالعلوم، وبعد أن صنع أسطرلاباً صنع أيضاً أول ساعة ميكانيكية لينتهي عصر الساعات الشمسية والرملية، وأول آلة حاسبة في التاريخ.
ليس هناك أي أثر لجيربير يتعلق بالعلوم العربية، لكنه شجع بالتأكيد على نشر العلوم العربية في أوروبا وترجمة الكتب من العربية إلى اللاتينية.
مؤلفاته:
كتاب عن قسمة الأعداد Libellus de numerorum divisione
في الهندسة De geometria
قاعدة المحاسبة Regula de abaco computi
كتاب العداد Liber abaci
كتاب في العقلانية والعقل Libellus de rationali et ratione uti
"رسائل"عددها 149 وتعد وثائق تاريخية مهمة نظرا لارتباطها بأحداث سياسية خطيرة في حياته
البندكتيون هم أعضاء رهبانية القديس بندكتوس (حوالى 480- حوالى 547) الذين يتبعون طريقة حياة حددها لكنهم لا يشكلون نظاما دينيا محددا لأن كل دير مستقل بذاته. وقد انتشرت تلك الطريقة تدريجيا في إيطاليا وبلاد الغال في القرون الوسطى وهي تقضي بدمج الصلاة والعمل اليدوي والدراسة بعناية في روتين يومي شامل في الدير. وهم يسمون أيضا بالأباء السود بسبب لون لباسهم. أسس بنديكتوس في 529 أول دير اتبع هذا النظام في مونتي كاسينو (80 كلم جنوب شرق روما) ازدهر في القرنين الحادي عشر والثاني عشر وكان له دور كبير في تشجيع العلوم. وقد أقام علاقات جيدة مع الكنيسة الشرقية ووظف حرفيين بيزنطيين ومسلمين.
دير سان جيرو دورياك (Abbaye Saint-Geraud d'Aurillac) هو أحد أديرة البندكتيين في فرنسا تأسس في 890 وازدهر في القرن العاشر وبقي يتمتع بنفوذ كبير حتى نهاية القرن السادس عشر. كان من أكبر المراكز الثقافية في القرون الوسطى.
العلوم الليبرالية تعني في القرون الوسطى سبعة علوم هي القواعد والخطابة والمنطق – الطرق الثلاث (تريفيوم باللغة اللاتينية) - والموسيقى والهندسة والحساب والفلك أي الطرق الأربع (كوادريفيوم).
روديز (Rodez): مدينة صغيرة في جنوب فرنسا.
كونت برشلونة بوريل الثاني (توفي في 993) الحاكم الفعلي للمنطقة. لم يكن قائدا عسكريا بارعا إذ إنه خاض معركتين فقط خسرهما أمام المسلمين - في 985 بقيادة المنصور بن أبي عامر أو الحاجب المنصور (938-1002) الذي تمكن من الاستيلاء على برشلونة والخليفة الحكم الثاني (915-976) في 961 - لكنه حافظ على علاقات ودية مع حكام قرطبة المسلمين وكذلك مع ملوك الفرنجة. عرف برعايته للعلم والثقافة.
قرطبة كانت أكبر مركز فكري في أوروبا للإطلاع على العلوم العربية. مكتبة الخليفة الحكم الثاني وحدها احتوت على آلاف المجلدات ووصلت شهرة علماء قرطبة إلى كاتالونيا حيث كان رهبان دير ريبول ينسخون ترجمات لأعمال في علم الفلك أو الحساب أو الهندسة.
فيك (Vich) مدينة في كاتالونيا على تخوم برشلونة
الإمام محمد محمودي أستاذ مساعد التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الأزهر.
اندرو ميلر (1810-1883) مؤرخ بريطاني اشتهر بكتاباته عن الكنيسة ونشرت مؤلفاته باسم "وثائق قصيرة عن تاريخ الكنيسة" أو "تاريخ الكنيسة حسب ميلر"
الخليفة الحكم الثاني حكم الأندلس من 961 إلى 977 في واحدة من أكثر الفترات استقرارا . اشتهرت مكتبته في مدينة الزهراء التي شيدها والده عبد الرحمن الناصر بالقرب من قرطبة وعرفت بانفتاحها وازدهارها حينذاك وغناها. قال ابن خلدون إنها كانت تضم 44 مجلدا لفهرسها وأن الحكم الثاني كان يرسل رجاله لشراء الكتب من جميع الأقطار وكان يقرأها ويدون ملاحظاته عليها. قيل أنها كانت تضم أكثر من 600 ألف مجلد وكلن يعمل فيها جيش من الخطاطين والمجلدين والمزخرفين.
الأرقام التي كان يستخدمها التجار العرب: أرقام الغبار أو الأرقام العربية هي تلك التي طورها الرياضيون العرب واستخدمت في المغرب العربي ونقلت إلى أوروبا. وقد نقلها سيلفستر الثاني لذلك يلقب ب"بابا الأرقام".
الرموز المغربية الغبارية (1، 2،...) والمشرقية (١، ٢...) ومنذ 787 ظهر الصفر في مؤلفات عربية.
"كتاب الأصول" جمع فيه عالم الرياضيات اليوناني اقليدس (300-265 قبل الميلاد) كل المعلومات المتاحة عن الرياضيات في 13 كتابا تتضمن التعاريف والمبرهنات والإنشاءات ولاعداد الابتدائية.
"الزيج المنصوري": على الأرجح "الزيج الممتحن" ليحيى بن أبي منصور المنجم (توفي في 830) الذي عمل في بلاط الخليفة المأمون العباسي. والزيج هو كتاب يتضمن جداول فلكية يعرف منها سير النجوم ويستخرج بواسطتها التقويم سنة سنة.
ورد في "حياة سيلفستر الثاني" لأحمد يوسف أن سيلفستر الثاني اتهم بالشعوذة والمس والسحر لأن الكنيسة المسيحية في ذاك الوقت كانت ضد العلم في العصور الوسطى. ويؤكد الكتاب استنادا إلى مراجع، أن سيلفستر الثاني بتبنيه علوم العرب أنقذ الغرب من الانحدار والانهيار، لكنه لم يدخل الإسلام كما أشيع أيضاً. يشير المؤلف إلى أن سيلفستر أعطى أوامر بترجمة الكتب والمخطوطات العربية ومواكبتها لكي يتمكن من الاطلاع عليها، وانغمس في علوم العرب، خصوصاً الحساب والفلك والكيمياء والطب. يؤكد يوسف أن البحث في سيرة هذا البابا استغرق نحو أربع سنوات قام خلالها بزيارة البلدة التي ولد فيها (أورياك)، والدير الذي قضى به طفولته ومطلع شبابه في بلدة ريبول بإقليم كاتالونيا الملاصق للأندلس في جنوب إسبانيا.
حسب موسوعة "المستشرقين" لعبد الرحمن بدوي، بعد وفاته بفترة وجيزة كان جيربير دورياك موضوع أسطورة غريبة تفيد بأنه "قد يكون أبرم عهدا مع الشيطان عندما كان في إسبانيا بين المسلمين، وأنه كان يمتلك رأسًا من النحاس يجيب على كل الأسئلة وكتابا قادرا على التحكم في كل الجن والعفاريت واستكشاف جميع الكنوزز ولما كان الشيطان قد وعده بألا يموت ثبل أن يقيم القداس في القدس، فإنه كان مطمئنا إلى أنه للن يموت ما دام لا يزور القدس. لكن حدث ما يلي: بينما كان في كنيسى صليب أورشليم المقدس في مدينة روما، أصابه الداء الذي سيودي به".
وردت المعلومات المتعلقة بالوثيقة الصليبية في كل المصادر التي ذكرت أنه من البابوات الذين دعوا إلى "تحرير القدس".
"الرؤى والأحلام المقدّسة: عصر الحروب الصليبية" للإمام محمد حمودي
"مختصر تاريخ الكنيسة"، أندرو ميلر
"شمس العرب تسطع على الغرب"، زيغريد هونكه
"أسطورة من العصور الوسطى"، زيغريد هونكه
"المستشرقون"، نجيب العقيقي
"موسوعة المستشرقين"، عبد الرحمن بدوي
A Pope-Philosopher of the Tenth Century: Sylvester II (Gerbert of Aurillac) - William P. H. Kitchin
Miller's Church History, Andrew Miller