(1919-1879) مارك سايكس
Marc Sykes
Marc Sykes
يوصف الكولونيل الانكليزي السير تاتون بينفينوتو مارك سايكس أو السير مارك سايكس (1879-1919)، بأنه رحالة وسياسي محافظ بريطاني وخبير في شؤون الشرق الأوسط.
كان السير سايكس مستشارا للحكومة البريطانية لشؤون الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى. ومن موقعه هذا لعب دورا كبيرا في رسم المنطقة بحدودها المعروفة، بما في ذلك إقامة دولة لليهود في فلسطين.
سايكس كان واحدا من مجموعة من الشخصيات التي ساهمت في هذا البناء وهدفها الأول على الرغم من اختلاف آرائها، تعزيز نفوذ بريطانيا في الشرق الأوسط وضمان استمراره.
أحد هؤلاء كان صديقه أرثر بلفور (1848-1930)، صاحب الوعد المشؤوم ووزير الخارجية في حكومة لويد جورج. في دائرة أصدقائه أيضا الكولونيل أوبري هربرت (1880- 1923)، الدبلوماسي وضابط المخابرات السابق الذي يوصف بأنه مستشرق ورحالة سافر إلى الشرق الأوسط ولا سيما إلى اليمن وتركيا حيث عين ملحقا في السفارة البريطانية في إسطنبول من 1904 إلى 1905.
في الدائرة نفسها جيرترود بيل (1868-1926) وتوماس ادوارد لورنس (1888-1935) أو لورنس العرب والسير بيرسي كوكس (1868-1937)، لكن كما تقول مراجع غربية، لم يكن حماس السير سايكس للقضية العربية كبيرا بقدر ما كان حماس هؤلاء.
وُلِد مارك سايكس في ويستمينستر في لندن لأبوين ينتميان لعائلتين عريقتين ثريتين. وكان ثمرة زواج السير تاتون سايكس في سن الثامنة والأربعين، من شابة تصغره بثلاثين عاما. وبعدما أنفق مبالغ طائلة لتسديد ديون زوجته، نشر والده إشعارا في الصحف يتنصل فيه من ديونها المستقبلية ويعلن انفصاله عنها قانونيا.
لذلك انتقلت الليدي سايكس للعيش في لندن واعتنقت الكاثوليكية. وكان ابنها يمضي أوقاته بين منزلها وقصر سليدمير والأراضي الشاسعة التي تحيط به وتمتد على مساحة 120 كيلومترا مربعا. وقد تربى على تعاليم ديانتها.
كان يسافر في الجزء الأكبر من الشتاء مع والده إلى الشرق الأوسط، وخاصة إلى الإمبراطورية العثمانية. وكان في الثانية عشرة من عمره عندما رافق والده في أولى هذه الرحلات، قادتهما إلى القدس ودمشق.
درس سايكس في كلية بومونت اليسوعية وكلية يسوع في كامبريدج حيث تعلم اللغة العربية، لكنه لم يكمل تعليمه.
في 1898، زار الشرق الأوسط مرة ثانية.
وعندما بلغ سن الخامسة والعشرين كان قد نشر أربعة كتب على الأقل بينها اثنان عن أسفاره "دار الإسلام" (1904) و"عبر خمسة أقاليم تركية" (1900). كما ألف كتاب "آخر إرث للخلفاء: تاريخ موجز للإمبراطورية التركية" الذي يقدم في نصفه الأول لمحة موجزة عن الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط حتى الإمبراطورية العثمانية، ويسرد في نصفه الثاني رحلاته في آسيا الصغرى والشرق الأوسط بين 1906 و1913.
قبل أن تظهر مواهبه وخبراته في شؤون الشرق الأوسط، شارك سايكس في حرب البور في جنوب إفريقيا حيث أمضى سنتين (1899-1902).
عاد في 1902 إلى المملكة المتحدة حيث شغل في 1904 و1905 منصب السكرتير الخاص لجورج ويندهام وزير شؤون إيرلندا.
في 1905 عين ملحقا فخريا بالسفارة البريطانية في إسطنبول حيث بقي سنتين. وقد انتهز فرصة وجوده هناك ليزور مجددا العراق وبلاد الشام ويضع خرائط لبعض المناطق فيهما لحساب ديوان الحرب.
في 1911 انتخب نائبا في البرلمان عن منطقته كينغستن-أبن-هال. وقاد في مجلس العموم مجموعة من النواب المستقلين المحافظين. وقد ركز على ثلاث قضايا هي تعزيز الجيش والشرق الأوسط وإيرلندا. وتركز خطاب توليه مهامه الذي ألقاه في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) على السياسة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في 1914 كلف بمهمة سياسية لتقصي الحقائق قادته إلى فرنسا وصربيا وبلغاريا ومصر والهند. هذه المهمة استمرت حتى صيف 1915 وقدم في ختامها مذكرة سرية تتضمن أفكارا حول السياسة التي يجب اتباعها، إلى مدير العمليات العسكرية في ديوان الحرب الميجور جنرال السير تشارلز ادوارد كالويل (1859-1928).
في تلك الفترة، كان وزير الحرب اللورد هربرت كيتشينر (1850-1916) يحتاج إلى خبرته في قسم المخابرات التابع للوزارة وعينه في لجنة بانسن لتقديم المشورة لمجلس الوزراء بشأن شؤون الشرق الأوسط.
هذه اللجنة شكلها كيتشنر في 08 نيسان (ابريل) 1915 لرسم سياسة الحكومة البريطانية حيال السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها. وكانت برئاسة الدبلوماسي موريس دي بانسن (1852-1932)، الذي عمل في سفارة بريطانيا في إسطنبول بين 1897 و1902.
أصبح سايكس الذي نجح في كسب ثقة كيتشينر مع أنه لم يلتقه سوى مرة واحدة، بسرعة الشخصية المهيمنة في هذه اللجنة وصاحب نفوذ كبير في السياسة البريطانية في الشرق الأوسط. وقد وضع للمخابرات كتيبات ترويج لاستقلال العرب لدفعهم إلى الثورة على الإمبراطورية العثمانية.
كانت لندن حينذاك تأمل في إقناع تركيا بالامتناع عن القتال أو الانضمام إلى جانب الحلفاء في الحرب. لكن معلومات سايكس الاستخباراتية أكدت أن تركيا ستقاتل إلى جانب ألمانيا.
في لقائه الوحيد مع كيتشينر، قدم سايكس نصيحة مفادها أن "تركيا يجب أن تزول. يجب تحجيمها وإعطاؤها المال والطعام... ثم منحها تعويضات للجمال... ثم ثمن العوازل التلغرافية... ثم ثمن توقف خط حديد الحجاز وثمن بنادق ماوزر التركية وثمن للفارين من الجيش التركي... وإذا أمكن، إبقاء سكة حديد الحجاز بأكملها على نار حامية وتدمير الجسور".
بناءً على هذه النصيحة التي لم تكن في الواقع رغبته الحقيقة، أنشأت وزارة الخارجية البريطانية المكتب العربي في القاهرة في كانون الثاني (يناير) 1916.
وتنسب المراجع الغربية إلى سايكس تصميم علم الثورة العربية بألوانه الأربعة الأخضر والأحمر والأسود والأبيض. لكن المصادر العربية تفيد بأن أعضاء في "المنتدى الأدبي العربي" قاموا بتصميمه.
عند تولي لويد جورج رئاسة الحكومة في كانون الأول (ديسمبر) 1916، عيّن سايكس في أمانة مجلس الحرب وكلّف القسم البريطاني في المجلس الأعلى للحرب في فرساي في فرنسا.
كان لويد جورج يكره العثمانيين وينتظر بارغ الصبر الاستيلاء على السلطنة. ولتحقيق اقترح سايكس تسوية قضية سوريا في أسرع وقت ممكن مع فرنسا وهذا ما أفضى إلى توقيع اتفاق سايكس بيكو.
ويبدو أن سايكس الذي كان يكره اليهود تحت تأثير والدته في بداية حياته، ساهم إلى حد كبير في الترويج لوعد بلفور أمام مجلس الوزراء. لكن سبب ذلك لم يكن حبا باليهود بل لأنه كان يرى أنهم يمتلكون قوى هائلة للتلاعب بالأحداث العالمية. وكتب في آذار (مارس) 1916 "بوقوف يهود كبار ضدنا، لا يمكن إنجاز الأمر (أي الانتصار في الحرب)، وسيثير ذلك تفاؤلا في برلين وقلقا في لندن".
وبما أنه كان يعتقد أن معظم البلاشفة بقيادة فلاديمير لينين، الذين أطاحوا بالحكومة الروسية الموقتة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 يهود، رأى أن أفضل طريقة لإبقاء روسيا في الحرب هي أن تقوم بريطانيا بلفتة مؤيدة لليهود.
كان سايكس قد زار قبل ذلك فلسطين والتقى حاييم وايزمان وتبنى بشكل واضح القضية الصهيونية. حتى أن بعض المؤرخين يرون أن "وعد بلفور" كان يجب أن يسمى "وعد سايكس".
لكن في نهاية 1918، بدأ موقفه من الحركة الصهيونية يتغير. فبعد أن كان يُنظَر إليه في الدوائر الحكومية على أنه صهيوني متشددا وعمل مع القيادة الصهيونية لصياغة بيان شكّل في نهاية المطاف أساس "وعد بلفور" في 1917، راجع موقفه مع انتهاء الحرب ومناقشة مستقبل الشرق الأوسط. فقد صُدم خلال زياراته إلى فلسطين بمرارة السكان العرب تجاه الوافدين اليهود ووجد أنه استهان بتأثير النشاط الصهيوني. وقد قرر العمل على معالجة هذا الموقف الخطير الذي كان يتطور بسرعة إلا أن الفرصة لم تسنح له لتحقيق ذلك، ولو بقي على قيد الحياة لربما سحب دعمه للوطن اليهودي.
توفي سايكس في باريس حيث كان يحضر مفاوضات السلام في 1919، في غرفته في فندق بالقرب من حديقة التويلري في 16 شباط (فبراير) 1919، عن 39 عاما، بعد إصابته بالإنفلونزا الإسبانية.
نقلت رفاته إلى منزل عائلته في قصر سليدمير. ومع أنه كان كاثوليكيا ، دُفن في ساحة كنيسة سانت ماري الأنغليكانية المحلية في سليدمير.
قصر سليدمير هذا ما زال إلى اليوم ملكا لعائلة سايكس العريقة. وقد ورثه السير مارك سايكس مع لقب بارونيت عن والده الذي توفي في 1913، وأعاد بناء جزء كبير منه.
بعد وفاته حمل ابنه السير ريتشارد سايكس (1905-1978) لقب البارونت السابع.
ويشغل قصر سليدمير حاليا أكبر أحفاده، السير تاتون سايكس البارونت الثامن.
في منتصف أيلول (سبتمبر) 2008، أي بعد 89 عاما على وفاة السير مارك سايكس وبعد موافقة جميع أحفاده الأحياء، أخرجت رفاته لتحقيق علمي برئاسة عالم الفيروسات جون أكسفورد.
ذلك أنه دُفن في تابوت مبطن بالرصاص كان يُعتقد أنه وسيلة فعالة للمحافظة على جزيئات سليمة لفيروس الإنفلونزا الإسبانية من أجل استخدامها في البحث العلمي بهدف تطوير دفاعات ضد أوبئة الأنفلونزا المستقبلية.
كان فريق العلماء يتوقع العثور على جثة محفوظة بشكل جيد. لكن التابوت كان مكسورا بسبب وزن التربة والجثة متحللة بشكل سيئ. ومع ذلك، تمكن الفريق من أخذ عينات من أنسجة الرئة والدماغ من خلال الشق في التابوت بدون إخراجه. وأُغلق القبر المفتوح بعد ملئه بالتراب.
في الثالث من كانون الثاني (يناير) 1916، وقع الكولونيل الانكليزي السير تاتون بينفينوتو مارك سايكس أو السير مارك سايكس (1879-1919) بالأحرف الأولى باسم حكومة بلده، مع الدبلوماسي الفرنسي فرنسوا ماري دوني جورج-بيكو (1870-1951) هذا الاتفاق الذي يحدد مناطق نفوذ كل من البلدين في الشرق الأوسط.
تحول فيروس الأنفلونزا الإسبانية نفسه بطفرة إلى الفيروس المسبب لانفلونزا الطيور أو ما يسمى "اتش1ان1". ولا يوجد سوى خمس عينات أخرى متوفرة لفيروس الأنفلونزا الإسبانية.
Sykes, Christopher Simon (2016). The Man Who Created the Middle East: A Story of Empire, Conflict and the Sykes-Picot Agreement. London: William Collins.
Townshend, Charles (2010). When God Made Hell: British invasion of Mesopotamia and the Creation of Iraq, 1914–1921. Faber and Faber.
Leslie, Shane (1923). Mark Sykes: His Life and Letters. London: Cassell and Company.