(861-800) باولوس ألفاروس القرطبي
Paulus Alvarus, Paulo Álvaro, Álvaro de Córdoba, Paul Albar
Paulus Alvarus, Paulo Álvaro, Álvaro de Córdoba, Paul Albar
باولوس ألفاروس القرطبي عالم وشاعر ورجل دين مسيحي أندلسي نشط في في القرن التاسع في ظل الحضارة الإسلامية المزدهرة في قرطبة حيث عمل مع صديقه أولوجيوس من أجل حماية التراث اللاتيني المسيحي في شبه الجزيرة الأيبيرية تحت الحكم الإسلامي (711-1492).
ولد ألفاروس لعائلة ثرية تملك أراضي، ومن المعروف أن والده تبرع بأموال لأحد الأديرة، لكن لا معلومات أخرى عن حياة ألفاروس باستثناء ما ورد في رسائل أو وثائق كتبها بنفسه. ويبدو من واحدة من رسائله أنه ينتمي لعائلة من أصل يهودي على الأرجح لكنه ولد مسيحيا أو اعتنق المسيحية.
درس ألفاروس بإشراف رجل الدين اسبيرانديو (Sperandeio) الذي كان أستاذا مرموقا لرجال الدين الشباب ورئيس دير سانتا كلارا قرب قرطبة. وكان اسبيرانديو أيضا معروفا بسعيه إلى الحفاظ على الثقافة المسيحية اللاتينية في الأراضي الإسلامية. خلال دراسته، ربطت صداقة عميقة بين ألفاروس ورجل الدين القرطبي أولوجيوس.
وبعد انتهاء دراسته كرس عمله للدراسة والكتابة اللاهوتية ولم يشغل في حياته أي منصب رسمي مدني أو كنسي.
وقد أصبح مع يولوجيوس، وقبل ذلك معلمهما المشترك سبيرانديو، من أوائل المسيحيين الأيبيريين الذين هاجموا الإسلام بشكل منهجي في كتاباتهم في إطار جهودهم لحفظ التراث اللاتيني.
عمل ألفاروس بنشاط في تعزيز الخطاب اللاهوتي عبر وسائل عديدة بما فيها المراسلات والمناظرات.
من أهم المراسلات تلك التي قام بها مع يوحنا الإشبيلي الذي شاركه اهتماماته الأدبية وناقش معه مسائل لاهوتية على الأرجح. وأرسل يوحنا الإشبيلي إلى ألفاروس ملخصا لـ"قصص محمد"، وهي سيرة لاتينية للنبي محمد. وهذا النص لعب دورا حاسما على الأرجح في تشكيل فهم ألفاروس للإسلام، وغذّى كتاباته النقدية اللاحقة.
ومع أن المسيحيين الذين عاشوا في قرطبة وبقية شبه الجزيرة الأيبيرية المسلمة كانوا يتمتعون بحرية دينية نسبية، اعتبر ألفاروس أنهم يخضعون لقيود على ممارسة إيمانهم وأن هذا اضطهاد غير مقبول. وقد نظر بازدراء شديد إلى المسيحيين الذين شاركوا في الحكومة الإسلامية أو اعتنقوا الإسلام أو أخفوا ببساطة معتقداتهم الحقيقية.
وقد رأى أن تقدم العربية على حساب اللاتينية كلغة الثقافة العالية هو مشكلة يجب تصحيحها لذلك اهتم باستيراد الكتب اللاتينية من شمال اسبانيا إلى جنوبها.
هاجم ألفاروس الإسلام والمسلمين بحدة بهدف إقناع المسيحيين بالابتعاد عنهم. كما هاجم بعنف النبي محمد. ودعا إلى فصل واضح بين المجتمعين المسيحي والإسلامي ورفض أي شكل من أشكال التوفيق بين المعتقدات الثقافية أو الدينية.
اعتبر ألفاروس الإسلام تهديدا كبيرا للمسيحية وعمل على تصويره كقوة معادية لها من خلال تفسيره لنصوص مقدسة مثل سفري دانيال وأيوب.
ومن أهم الأعمال اللاهوتية لألفاروس تبريره لشهداء قرطبة. فقد رأى في هؤلاء الذين سعوا طواعيةً للشهادة شهودًا حقيقيين للمسيح، مثل المؤمنين في العصور السابقة الذين دافعوا عن معتقداتهم بشجاعة. واعتبر أفعالهم شكلاً من أشكال المقاومة ضد ما كان يعتبره أخطاء في الإسلام، لكنه واجه انتقادات من داخل جزء كبير من المجتمع المسيحي الذي فضل نهجًا تصالحيا وسعى إلى علاقات ودية مع السلطات الإسلامية.
كان لكتابات بولس ألفاروس تأثير ملحوظ على المجتمع المسيحي في قرطبة في القرن التاسع. ومن المرجح أن دفاعه بحماس عن الهوية المسيحية ودعمه القوي لشهداء قرطبة قد ساهم في التوتر والانقسامات التي سادت بين المستعربين.
شكلت أعمال ألفاروس مصادر أساسية لا تُقدَّر بثمن للمؤرخين الذين يدرسون تاريخ المسيحيين في الأندلس والاتصالات المبكرة بين المسيحية والإسلام.
كتابات ألفاروس وأولوجيوس هي كل ما تبقى تقريبا من الإنتاج الأدبي للمجتمع المسيحي في قرطبة في عصرهما.
من مؤلفاته:
"الرسالة المستنيرة الصغيرة" (Indiculus Luminosus). في هذه الرسالة التي كتبها في 854 أعرب ألفاروس عن قلقه العميق إزاء تراجع إتقان اللغة اللاتينية بين الشباب المسيحيين المستعربين الذين تفوقوا في اللغة العربية الفصحى. ترتدي هذه الرسالة أهمية تاريخية ولاهوتية كبيرة لأنها تعد أقدم نص لاتيني تحدث بإسهاب عن النبي محمد بدون أن يذكر اسمه، لكنها لم تلق رواجا بين الأجيال اللاحقة ولم يبق منها سوى مخطوطة واحدة متضررة.
"بداية اعترافات ألفاروس" (Incipit Confessio Alvari) وهو كتاب يشكل رسالة موجهة إلى النخب المسيحية في قرطبة لحثهم على مقاومة النفوذ المتزايد للإسلام، والدفاع عن أعمال شهداء قرطبة الذين تعمدوا التحريض على إعدامهم عبر التنديد علنا بمحمد والمعتقدات الإسلامية. حذر ألفاروس المسيحيين من الاندماج المفرط في الثقافة الإسلامية وتبني العادات الإسلامية.
"حياة القديس يولوجيوس" (Vita Vel Passio D. Eulogii).
"كتاب رسائل ألفاروس" (Incipit Liber Epistolarum Alvari)، مجموعة من الرسائل التي تتعلق بالتوبة.
مجموعة قصائد (Incipient Versus).
كانت قرطبة في القرن التاسع تحت حكم أمراء أمويين وأصبحت عاصمة الإمارة الأموية والخلافة لاحقا. منح المسيحيون واليهود في الأندلس بشكل عام حرية دينية نسبية لكنهم خضعوا لبعض القيود إذ طُلب منهم دفع الجزية وفرضت بعض القيود على بناء كنائس جديدة والتعبير عن إيمانهم علنا. وقد ازدهرت قرطبة كمركز رئيسي للتعليم والمعرفة وجذبت العلماء وعززت التبادل الفكري، وأصبحت اللغة العربية اللغة السائدة في الإدارة والثقافة الرفيعة. وهذا ما أثار قلق بعض المسيحيين المستعربين بشدة.
اسبيرانديو (توفي في 853) كان رئيس دير سانتا كلارا بالقرب من قرطبة. عمل على حماية الثقافة المسيحية اللاتينية في الأراضي الإسلامية وكان معروفا بجرأته. وفي كتابه "الاعتذار عن محمد" الذي لم يبق منه سوى أجزاء متناثرة، هاجم بحدة المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام. أدى تحريض اسبيرانديو للمجتمع المسيحي في قرطبة إلى تأجيج الحماسة الدينية التي أفضت إلى حركة "شهداء قرطبة".
حركة "شهداء قرطبة" كانت حدثا حاسما في تلك الفترة وجرت بين عامي 850 و859. شارك في هذه الحركة حوالي ثمانية وأربعين مسيحيًا سعوا عمدا إلى الاستشهاد من خلال التنديد العلني بمحمد أو إنكار حقيقة الإسلام أو انتهاك الشريعة الإسلامية، وهي أفعال كانت عقوبتها الإعدام. تنوعت دوافعهم، بما في ذلك الرغبة في مقاومة الاندماج الثقافي والديني، وتأكيد هويتهم المسيحية، والحصول على المكافأة السماوية من خلال الشهادة. تسببت أفعال الشهداء في انقسام كبير داخل المجتمع المسيحي بين مؤيدين لتحديهم العلني وآخرين دعوا إلى نهج أكثر حذرا لتجنب أي نزاع مع الحكام المسلمين. كان أولوجيوس القرطبي شخصية رئيسية في هذه الحركة وقام بتوثيق أعمال الشهداء ومعاناتهم. وكان بولس ألفاروس من أشدّ المؤيدين لهذه الحركة التي اعتبرتها مرجعيات إسلامية خرقا لمعاهدة بين المسلمين ورعاياهم المسيحيين. انتهت الحركة إلى حد كبير بإعدام أولوجيوس نفسه في 859.